ملتقى المشاغب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


إبداع بلا حدود وروعة لا توصَف وجمال لا يفوقه جمال كل هذا فقط في منتدي ملتقي المشاغب مواضيع عن الصداقة والأصدقاء - لعب وضحك وفرفشة - ثقافات عامة - لغات مختلفة - نقاشات وحوارات - رياضة وحركات - صحة ونشاط - أغاني وأشعار . والكثير الكثير وكل ما تتمناه
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 ما أقساك يا زمن !

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عماد بهلول جمعه
المدير العام
المدير العام
عماد بهلول جمعه


ما أقساك يا زمن ! Medal-blue-gold28ما أقساك يا زمن ! Medal-blue-gold21
عدد المساهمات : 573
نقاط : 1575
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 23/09/2010
العمر : 31

ما أقساك يا زمن ! Empty
مُساهمةموضوع: ما أقساك يا زمن !   ما أقساك يا زمن ! Emptyالإثنين ديسمبر 06, 2010 1:54 am



في وجهها ألمح الخريف, ولكني لا أعثر على أوراق العنب الصفراء !
آه .. للتو تذكرت أن أمي فقدت نصف أسنانها قبل أن تتم الأربعين !
أمي التي لم أجلس على حجرها منذ عشرين سنة, أمسكت اليوم برأسي ودسته عنوة هناك, كأنها كانت تريدني أن أعود طفلتها, أو ربما أرادت أن تشعر بأنها أعادت الزمن إلى الوراء, وأن عمرها قد انزلق من أعالي الـ 45 إلى سهول الـ 19 عاما, فقط !

كانت طفلة أمي حين أنجبتني,
طفلة بريئة, بيضاء, مكتملة الأسنان, بهية الصوت, وفي قسوتها لذة لا تقاوم, تجعلني أتعمد إغضابها كي تعاقبني وأبقى أمام الباب الخارجي للبيت أنتظر عودة أبي كي يلعب دور الوسيط بيني وبينها.

ياه !
ما أقساك يا زمن, و سوطك الجلدي دائما يتذوق طعم قلوبنا,
فضرباتك ليست على الجلد وحسب,
بل أعمق ... أعمق بكثييير !

أمي التي أبكيها سرا دون أن تدري, والتي لازالت إلى الآن تشك في أن سبب بكائي رجل ما.
ولكني أقسم لها أني لا أحب أحدا, وبأن بكائي ليس لأجل أي رجل.
عبثا تمرر قسمي عبر زاروب حلقها,
وعبثا أصد لساني عن اعتراف سيريحني ويتعبني, فلم يكن سهلا علي أن أقول لها بكل بساطة
"يا أمي, أنت سبب البكاء !"

ممتنع السهولة هذا التركيب الصحيح للمشاعر, ولكنه صعب , صعب رغم كل سهولته.
فأمي لم تعد صلبة كما كانت كي تتحمل حجارة الأفواه,
لم تعد تقوى حتى على معاقبتنا إذا أخطأنا, ولهذا فنحن نكثر من الأخطاء أمامها وهي ترمقنا بصمت وشفقة. وكأنها تتمنى أن تخبرنا بعجالة الندم القادم إلينا من مشارق الضمير ...


أمي التي أتيتها في خجل حين كانت تطبخ ذات يوم لأقول لها :
"ثمة شخص أحبه !"

لم تصفعني كما وجب عليها أن تفعل مع أني بعد تلك الكلمات القليلة التي قلتها أدرت طوعا خدي الأيمن كي يستقبل الصفعة التي لم تأت أبدا.
وبعد أن بلعت ريقها الذي أراهن أنه كان أمر من الحنظل, سألتني :
"من هو؟"

أجبتها باختصار, وكان واضحا من نبرة صوتي أني لم أكن سعيدة بهذا الحب لسبب ما.
وبعد أن أنهيت سرد مواصفاته القليلة أدرت خدي الآخر .... دون أن تأتي تلك الصفعة "الرحيمة".
يا أمي لو تعلمين لم أخبرتك بهذا الكلام !
لو تعلمين أن ذلك الشخص لم يكن يعنيني,
بل كل ما حاولت فعله هو أن أعيد أمامي صورتك القديمة,
أن أراك أمي التي تتركني خلف الباب كي أنتظر عودة أبي.
أن أراك أمي التي ترفع عصا المكنسة إلى الأعلى كي تجلد بها ظهري.
أن أراك أمي التي تخاف علي ... فخوفك علي يا أمي يحميني, جدا يحميني, كثيرا يحميني !
أن أراك أمي التي ... تعتل همي ...
فهمومي كثيرة مذ ألبسني الزمن ثوب فتاة عشرينية وأطلقني في الهواء كطير ذبيح لا يدري أ يسقط أرضا لتنهشه الديدان أم يرتفع لتلتقطه الصقور.

حين تحسست حرارة حجرك اليوم, بللته دون أن أقصد ببكاء لن تفهميه.
وتوقعت أن تسأليني ما إذا كان هذا البكاء على شخص أحبه.
ولكنك أبدا لم تسألي,
وكأن فرص رجوعك إلى الوراء قد تلاشت نهائيا, وأسنانك التي بالكاد تقضمين بها لباب الخبز لن تكفيك غدا لتمرير الماء إلى حلقك حين تشربين.

بت أخاف عليك اليوم يا أمي,
وأخشى أن أصحو يوما فأعثر على عجوز هرمة بلا أسنان, وبلا شعر ... وبلا صوت يسألني : "أين ستذهبين؟"
أخشى أن أمرض يا أمي فلا تأتيني يدك الدافئة لتملأ جبيني بالسلام ...
أخشى أن أموت يا أمي فلا تكونين اليد التي تغسل جسدي ثم تلفني بالكفن كما كانت تلفني قديما بالقماط حين كنت بطول يدك !

ياه ....
ما أقساك يا زمن !



(ز . م )

منذ شهر ... سكبت
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://absb3a.yoo7.com
 
ما أقساك يا زمن !
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ملتقى المشاغب :: منتديات أدبية و شعرية :: الأدبي العام-
انتقل الى: