تفسير سورة الماعون
هي مكية الأوائل مدنية الأواخر و آياتها سبع آيات
قوله تعالى (
أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم و لا يحض على طعام المسكين ) هذه الآيات الثلاث نزلت بمكة في العاص بن وائل و الوليد بن المغيرة و أضرابهم من عتاة قريش و كفارهم فهذه الآيات تُعرِّض بهم و تندد بسلوكهم و توعدهم .
(
أرأيت الذي يكذب بالدين ) أي بثواب الله و عقابه , فلا يطيعه في أمره و نهيه , قال أبو سعود : استفهام أريد به تشويق السامع إلى معرفة من سيق له الكلام و التعجيب منه .
(
فذلك الذي يَدُعُّ اليتيم ) أي : هو الذي يقهر اليتيم و يظلمه حقه , و لا يطعمه و لا يحسن إليه و لا يرحمه لقساوة قلبه , و لأنه لا يرجو ثوابا و لا يخشى عقابا .
(
و لا يحضُّ على طعام المسكين ) أي لا يحثّ غيره من ذوي اليسار على إطعام المحتاج و سدّ خلته , بل يبخل بسعيه عند الأغنياء لإغاثة البؤساء , قال أبو سعود : و إذا كان حال من ترك حث غيره على ما ذكر , فماظنك بحال من ترك ذلك مع القدرة ؟ .
قوله تعالى (
فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءون و يمنعون الماعون ) هذه الآيات الأربع نزلت في بعض منافقي المدينة النبوية فلذا نصف السورة مكي و نصفها مدني .
(
فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون ) هذا وعد شديد لهم إذ الويل واد في جهنم يسيل من صديد أهل النار و قيوحهم و هو أشد العذاب إذ كانوا يُغْمَسون فيه أو يطعمون و يشربون منه .
و معنى عن صلاتهم ساهون قال ابن جرير : " أي لاهون يتغافلون عنها و ذلك باللهو عنها و التشاغل بغيرها , و تضييعها أحيانا و تضييع وقتها أخرى " و مفوتون لأركانها , و هذا لعدم اهتمامهم بأمر الله حيث ضيعوا الصلاة , التي هي أهم الطاعات و أفضل القربات . قلت ( عبد الحي ) : فإن كان هذا حالهم مع أجل الطاعات فإهمالهم لباقي العبادات و القربات أكثر و أوسع , و تضييعها على النفس أسهل و أطوع .
(
الذين هم يراءون ) أي يراؤون الناس بصلاتهم إذا صلوا لأنهم لا يصلّون رغبة في ثواب , و لا رهبة من عقاب , و إنما يصلونها ليراهم المؤمنون فيظنوهم منهم فيكفوا عنهم , لأن بالمراءاة يدرءون عن أنفسهم القتل و السبي .
(
و يمنعون الماعون ) أي ما يعان به الخلق و يصرف في معونتهم من الأموال و الأمتعة و كل ما ينتفع به , فإذا استعارهم مؤمن ماعونا للحاجة به لا يعيرونه و يعتذرون بمعاذير باطلة , فهؤلاء لمنع الزاكة و أنواع القربات أولى و أولى .
روى ابن جرير عن عبد الله قال : كنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم نتحدث أن الماعون الدلو , و الفأس و القِدر لا يستغنى عنهن .
و قال ابن عباس (
و يمنعون الماعون ) يعني : متاع البيت , و كذا قال مجاهد و إبراهيم النَّخعي و سعيد بن جبير و غير واحد : إنها العاريّة للأمتعة .
و قال عكرمة : رأس الماعون زكاة المال , و أدناه المنخل , و الدلو , و الإبرة . و هذا الذي قاله عكرمة حسن , فإنه يشمل الأقوال كلها , و ترجع كلها إلى شيء واحد , و هو ترك المعاونة بمال أو منفعة .